بعض العشاق يشعرون بأنه لاوجود لهم كأشخاص منفردين , الحب فقط هو الحاضر . من السهل تمييز هذه الوجودية الكلية للحب لأن الحب شئ مرض و جميل , لكن الإحاطة بوجود الكره أمر صعب لأنه حال غير مُرض .
العشاق , المحبون بعمق , لا يجدون أنهم " يحبون " , الحب لم يعد نشاطا أو فعلا , لكنهم عوضا عن ذلك قد أصبحوا الحب .
حين تحب أحدا تصير حبا , حين تكره تصير كرها , و لكن إن استطعت أن تُبقي على نفسك كما أنت فلن تحب أو تكره بالطرق العادية . لذلك ندرج على قول عبارة "وقع في الحب" , ظاهرة الحب هي عبارة عن سقوط , و الوقوع في الحب يعني أنك قد فقدت إدراكك لذاتك بسببه .
العشاق يغضبون ممن لا يعيش حالة الحب , أنت لا تستطيع التواصل معهم لأنهم فقدوا منطقهم , لم يعودوا "هم" تحولت كل طاقتهم إلى حب , يأتلفون معه كليا , ليس فيهم من يدرك ليشهد على ظاهرة الحب .
الأمر مشابه في الكراهية , الحب و الكره متماثلان لأنهما أخذ و تحويل لذات الطاقة , جاذبية الحب و نفور الكراهية . حين تكون في الحب مشدودا إلى أحدهم فأنت تفقد جوهرك , تفقد نفسك و يصبح الشخص الآخر هو المحور أو الجوهر , حين تكره أحدهم فأنت تنفر منه , تفقد مركزيتك و إدراكك لذاتك , يصبح هو المركز .
تذكر , ليس باسترجاع و ليس بعد انتهاء الأمر و لكن في ذات لحظة الحدوث , عندما يأتي الغضب , أغلق عينيك , تجاهل الحالة الخارجية و كن واعيا لما يدور في داخلك الآن .
طاقتك بأكملها تحولت إلى كراهية , إذا ركزت على مراقبة ذلك فسوف ترى جزءا من الطاقة يتحول إلى وعي , عمود من الوعي ينتصب وسط فوضى الكراهية أو الحب , كلما ارتفع أكثر فوق حالتك الداخلية كلما تضاءلت الفوضى و انكمشت , عندها ستلاحظ وجودك , أنك "أنت" من بقيت في الداخل و ليس الكره .
تتحول إلى ذات , إلى مركز , و لن يعود الآخر مركزيتك مجددا , لا جاذبا ولا منفرا .
على هذا التأمل أن يحصل لحظة الحدث , بعدها ستكون شخصا مختلفا تماما , ليس أنك هزمت الكراهية , ليس أنك تحكمت بحالتك العقلية , بل أنك صرت الآن وعيا , نورا لذاتك , و بسبب النور تستحيل العتمة .
أنت الآن شخص واع و الكره يحتاج لا وعيك كحجر أساس له , هو مستحيل مع الوعي .
هذه قاعدة هامة يجب فهمها بوضوح : الكره يحتاج لاوعيك , من اللاوعي يتغذى و منه يحصل على طاقته و قوته , لذلك لا تنشغل بالكره , انشغل بوعيك .
كن أكثر وعيا تجاه أفعالك و أفكارك , تجاه أمزجتك نحو ما يحصل حولك . الكائن الواعي لا يغمره شئ … لا الحب .. لا الكراهية ..
عندما يصبح الإنسان مركز ذاته , حين يصل إلى مرحلة متقدمة من تبلور الوعي , سيختفي الإنجذاب نحو الآخر , سيختفي النفور , لكن هذا سيخلق مشكلة أعمق , يعني أنك لن تقدر على تجاوز الكراهية مالم تتجاوز الحب , الجميع يود تخطي الكراهية و ليس الحب , لكن هذه الرغبة تضعنا في موقف مستحيل لأن الكره جزء من ظاهرة الإنجذاب و النفور .
كيف تستطيع أن تحب ؟ كيف تكون منجذبا لكل شئ ؟ نحن نحاول أن نحب بطرائق متعددة , لكن الطريقة الأسهل هي أن تكره شخصا و تحب آخر , السهل هو أن تجعل أحدهم عدوك و الآخر صديق .
ستكون مرتاحا , تستطيع عندها أن تحب , أن تكون مشدودا إلى (أ) و نافرا من (ب) , هذه طريقة , الطريقة الأخرى معقدة أكثر , أن تكره ذات الشخص الذي تحب , نحن نفعل هذا الأمر يوميا , نحب في الصباح , نكره في الظهيرة ثم نعود لنحب مساءا .
كل عاشق يعايش هذا التواتر بين الحب و الكراهية بشكل مستمر , الإنجذاب و النفور , صدق فرويد حين قال : عليك أن تكره عين الشخص الذي تحب , لا مفر من ذلك .
يزداد وضوح معنى هذا القول كلما أقصينا أنفسنا أكثر فأكثر عن أولئك الذين نحمّلهم كراهيتنا , أهداف نفورنا و بغضنا .
تستطيع أن تحب بلدك و تكره بلدا آخر , تحب ديانتك و تبغض أخرى , لأنك ببساطة يجب أن توازن الحب مع كراهية في الكفة الثانية .
في الماضي كان سهلا أن تحافظ على هذا التوازن , اليوم هنالك الناشطون الإنسانيون و دعاة المثالية , هؤلاء يدمرون أهداف الكراهية القديمة , قريبا قد يتحد العالم بحيث تصبح هناك أمة واحدة و عرق واحد و مع تطور كهذا سيُجبر الكل على حب و كره هدف واحد .
هذه الازدواجية هي الحال الطبيعي , إن أحببت فسوف تكره ..
بعض الأشخاص يستمرون بإلقاء العظات "أحبوا العالم بأسره !!" لكننا لا نستطيع أن نحب العالم مالم نجد عالما آخر لنكرهه , أنا لا أعتقد أن سكان الأرض يمكن أن يتحدوا حتى نكتشف أعداءا لنا على كوكب آخر , حالما نجد عدوا في مكان ما – و نحن نسعى جاهدين لذلك – عندها سيتوحد سكان الأرض .
لايمكن أن يتوحد هذا الكوكب إلا عند وجود كوكب آخر نحاربه , مجرد إشاعة عن وجود عدو قد تؤدي ذات الغرض .
لاينوس باولينغ – عالم حائز على جائزة نوبل – اقترح ذات مرة أنها ستكون فكرة جيدة إن نشرنا إشاعة عن طريق الأمم المتحدة عبر أصقاع العالم , إشاعة تقول بأن المريخيين على وشك مهاجمة الأرض , و أن تُدعم هذه الإشاعة من قبل علماء مختلفين حول العالم , آنذاك سيتوقف الإقتتال الناشب على الأرض .
أرى بأنه محق , فكما هي طبيعة البشر الآن قد يتأتّى من هكذا إشاعة نتيجة جيدة , الكذب قد يساعد , الحقيقة لم تساعد حتى الآن .
بتواجد الحب ستتواجد الكراهية و عليك أن تجد هدفا لتسقطها عليه , إذن فكلما أحببت أكثر تصاعدت كراهيتك أكثر , هذا هو الثمن .
تذكر , إما الحب و الكراهية معا و إما أن تعيش دون أي منهما .
الكره سيختفي ليس بقيامك بعمل ما بل بكونك أكثر إدراكا , أكثر وعيا , أكثر تيقظا , كن كائنا واعيا و ستصير مركز ذاتك دون أن يقدر أي كان على تحريكك من مركزيتك .
حاليا يستطيع أي كان القيام بهذا , البعض بالحب , البعض بالكراهية , لكنهم متقلقلون , يستطيع أي كان تحريكهم بعيدا عن مركزيتهم لأنها ليست مركزية حقيقية , هو مركز زائف تقبع فيه بانتظار أن يزيحك أحد ما عنه و يبعدك .
الوعي يعني المركزية , مركزية داخلية مستمرة , مع تحقيقها يختفي الحب , تختفي الكراهية و عندها فقط ستشعر بالسلام .
أعراضهما متشابهة فعليا , الكره العميق سيبقيك أرقا , الحب العميق سيحرمك النوم , كلاهما سيجعل ضغط دمك مرتفعا , كل الأعراض متماثلة , القلق , التعب , الإرهاق , الملل من الأشياء العادية , كلاهما يبقيانك متوترا , كلاهما مرض .
عندما أقول مرض (Disease) فأنا أعني الكلمة بحرفيتها : (dis-ease) عدم ارتياح , أنت لن تكون مرتاحا مع الحب أو الكراهية , راحتك تكمن فقط في زوالهما من داخلك , لا الحب لا الكراهية , عندها ستبقى في ذاتك , وحيدا في وعيك , تتواجد دون أحد آخر , الآخر أصبح غير مهم لأنك أنت المركزي .
بعدها سيأتي التعاطف , التعاطف هو الحدث اللاحق للمركزية , التعاطف ليس حبا ولا كراهية , هو ليس انجذابا ولا نفورا , هو بعد آخر مختلف كليا , إنه كونك نفسك و تحركك وفق نفسك , العيش تبعا لنفسك .
قد تجذب الكثيرين , قد تنفر الكثيرين , لكن هذا ليس إلا إسقاطهم , مشكلتهم هم .
تستطيع أن تضحك من الأمر و ستبقى حرا .
المصدر : كتاب أوشو – التحدي الكبير
الشكر لأصدقاء أوشو على الترجمة